في كثير من الحالات، ليس الصرع مجرد اضطراب في النشاط الكهربائي للدماغ يؤدي لحدوث النوبات، بل هو حالة مزمنة تؤثر على حياة المريض من جوانب متعددة، أحدها الصحة النفسية. يمكن أن يؤدي العيش مع الصرع إلى ضغوط نفسية كبيرة نتيجة للخوف المستمر من حدوث نوبة، والتأثيرات الاجتماعية، والشعور بالعزلة أو الإحراج. كل هذه العوامل يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بالاضطرابات النفسية. كما أن الصرع نفسه قد يترافق بتغييرات كيميائية في الدماغ تساهم في حدوث الاكتئاب أو القلق.
يُعتبر الاكتئاب واحداً من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً بين مرضى الصرع، لا سيما الصرع المقاوم للأدوية. هناك عدة عوامل تساهم في حدوث الاكتئاب لدى مريض الصرع:
- التغيرات الكيميائية في الدماغ: النوبات الصرعية تؤثر على المناطق الدماغية المرتبطة بالمزاج، مثل الفص الصدغي، وقد تؤدي النوبات أيضاً إلى اضطرابات في مستويات النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين التي تلعب دوراً رئيسياً في تنظيم المزاج.
- التأثيرات الاجتماعية: قد يشعر المريض بالعزلة أو يعاني من الوصمة الاجتماعية نتيجة إصابته بالصرع. إن الخوف من التعرض لنوبة في الأماكن العامة أو العمل قد يجعل الشخص يتجنب التفاعل الاجتماعي، كما قد يؤدي حدوث النوبات إلى الحد من استقلالية المريض، كمنعه من قيادة السيارة. كل هذه العوامل قد تساهم في حدوث الاكتئاب.
- تأثيرات العلاج: بعض الأدوية المضادة للصرع قد تكون لها آثار جانبية تؤثر على الحالة المزاجية، مثل زيادة الشعور بالحزن أو الاكتئاب. لذلك، قد يكون من الضروري تعديل الأدوية أو مراجعتها في حالات الاكتئاب.
القلق هو اضطراب نفسي آخر قد يعاني منه مرضى الصرع. القلق يمكن أن يكون نتيجة طبيعية للعيش مع حالة غير متوقعة مثل الصرع، حيث يمكن أن تحدث النوبات في أي وقت، مما يترك المريض في حالة من التوتر والخوف المستمر. القلق قد يظهر بعدة أشكال، منها القلق الاجتماعي المرتبط بالخوف من حدوث النوبات، وفي الحالات الشديدة اضطراب الهلع الذي يتظاهر بنوبات مفاجئة من الخوف أو الرعب تصاحبها أعراض جسدية مثل تسارع ضربات القلب وضيق التنفس وتنميل الأطراف.
العوامل المؤثرة على الاكتئاب والقلق في الصرع
تتداخل العديد من العوامل التي تؤثر على احتمال الإصابة بالاكتئاب والقلق لدى مرضى الصرع، منها:
- شدة وتكرار النوبات: تزيد نسب الاكتئاب والقلق في مرضى الصرع المقاوم للأدوية، خصوصاً أولئك الذين لديهم نوبات متكررة أو نوبات غير مسيطر عليها بشكل جيد
- مدة المرض: الأشخاص الذين يعانون من الصرع لفترة طويلة يكونون أكثر عرضة للاكتئاب والقلق. كما أن تشخيص الصرع في سن مبكرة يمكن أن يؤثر على التطور النفسي والاجتماعي للفرد.
- التأثيرات الجانبية للأدوية: بعض الأدوية المضادة للصرع قد تؤدي إلى تغيرات في المزاج أو زيادة الميل للاكتئاب أو القلق. على سبيل المثال، الفالبروات قد يزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب عند بعض المرضى.
- الدعم الاجتماعي: الأشخاص الذين يعانون من نقص في الدعم الاجتماعي أو يفتقرون إلى شبكة داعمة من العائلة والأصدقاء يكونون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق.
التعامل مع الاكتئاب والقلق في الصرع
التعامل مع الاكتئاب والقلق لدى مرضى الصرع يتطلب استراتيجية علاجية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الطبية والنفسية. في سياق ذلك، يمكن أن يطلب طبيب الأعصاب تحويل المريض إلى طبيب نفسي psychiatrist أو أخصائي الصحة النفسية psychologist. فيما يلي بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها في علاج الاكتئاب والقلق لدى مرضى الصرع:
- العلاج الدوائي: قد يتم وصف مضادات الاكتئاب أو الأدوية المضادة للقلق إلى جانب الأدوية المضادة للصرع لتحسين الحالة النفسية للمريض. يجب أن يكون ذلك تحت إشراف طبيب مختص لتجنب التفاعلات الدوائية غير المرغوبة.
- العلاج النفسي: لا سيما العلاج السلوكي المعرفي (CBT) الذي يُعتبر من أكثر الأساليب فعالية في علاج القلق والاكتئاب لدى مرضى الصرع. تساعد جلسات العلاج النفسي المرضى على تعلم استراتيجيات إدارة التوتّر والتعامل مع الأفكار السلبية.
- دعم الأسرة والمجتمع: وجود دعم قوي من الأهل والأصدقاء والمجتمع يلعب دوراً مهماً في تحسين الحالة النفسية للمريض. المشاركة في مجموعات دعم المرضى يمكن أن تقلل من الشعور بالعزلة وتوفر بيئة داعمة لتبادل الخبرات.
- مراقبة الأدوية: في بعض الحالات، قد يكون من الضروري تعديل جرعات الأدوية أو تغييرها إذا كانت تؤثر سلباً على الحالة النفسية. التعاون بين طبيب الأعصاب والطبيب النفسي أمر ضروري لضمان توازن العلاج الدوائي.
- الرياضة: إن التمارين الرياضية والنشاط البدني يمكن أن تساعد في تحسين المزاج وتقليل القلق والاكتئاب. من آليات ذلك أن النشاط البدني يُحفز إفراز هرمونات تعزّز الشعور بالراحة النفسية.